على الرغم من أنه لم يمض إلا عدة سنوات فقط منذ إعادة التوحيد الرسمية لالمانيا في عام 1990، إلا أن العاصمة الألمانية المقسمة سابقاً، استفادت من العقدين الماضيين بحكمة لإعادة التعريف بنفسها، ولإيجاد صورتها الخاصة في مكان ما بين الشرق والغرب، وما بين التقليد والحداثة. وما تزال المدينة تحتفظ بالعديد من الرموز التي انتصرت على الحرب أو تلك التي تبهر السياح بجمال هندستها المعمارية أو قيمتها التاريخية، فمثلاً تعتبر بوابة (براندنبورغ) الشهيرة من أكبر وأجمل إبداعات الكلاسيكية الألمانية ومحطة مهمة تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم. وتعد ساحة (جندارمن ماركت) من أجمل الأماكن في العاصمة الألمانية، حيث توجد فيها ثلاثة مبانٍ أثرية: الكاتدرائية الألمانية، الكاتدرائية الفرنسية وبيت الحفلات الموسيقية (كونتسرت هاوس). وتحظى كاتدرائية برلين (برلين دوم) بشهرة كبيرة وتتميز بتصميمها الجذاب، ولديها تاريخ يمتد إلى العصور الوسطى.
أما في شارع (كورفورستندام) الشهير، فستجد كنيسة القيصر فيلهلم التذكارية، التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يبق منها إلا بقايا البرج الذي يعرف أيضاً بـ (هولار تسان) أي السن المجوف. ويتصف التصميم الداخلي لهذه الكنيسة بالروعة، حيث تزينه الفسيفساء الجميلة واللوحات الجدارية.
ومن المعروف عن برلين أنها تتنفس فناً، حيث تمتلك أكثر من 170 متحفاً، ولكن واحداً منها فقط يستعرض الكيفية التي عاش فيها سكان برلين الشرقية تحت الحكم الشيوعي، حيث يقدم متحف جمهورية المانيا الديمقراطية (DDR Museum) رحلة من وراء الستار الحديدي مع أعمال فنية أصلية وأفلام أرشيفية حول الحياة في المانيا الشرقية السابقة ويوسع النطاق ليصل إلى تأثير جهاز أمن الدولة والجدار في الحياة اليومية للناس: كيف اختلفت الحياة بالمقارنة بالحياة في المانيا الغربية سابقاً؟ وما كم أثرت الدولة على حياة الناس؟ وأين كانت الديكتاتورية أكثر وضوحاً في الحياة اليومية؟ وما هي الإنجازات التي تعتبر إيجابية لجمهورية المانيا الديمقراطية وهل هي إيجابية حقاً؟
وبالنسبة لهؤلاء المأخوذين بفيلم (حياة الآخرين) (The Lives of Others) الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية وعلى عدة جوائز ألمانية والذي تدور معظم أحداثه حول طبيعة نظام الحياة في المانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، فينبغي عليهم أن يزوروا متحف شتازي (Stasimuseum) الذي كان يضم في السابق مكاتب أمن الدولة الـ (شتازي) (Stasi).
وإذا كنت ترغب بالقيام برحلة عبر العصور القديمة، فما عليك إلى التوجه إلى جزيرة المتاحف، التي تحتوي على تراث لأجيال وعصور متعاقبة يزيد عمره على 6000 سنة، وقد تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ العام 1999. وتضم الجزيرة خمسة متاحف: (المتحف القديم) ويعتبر الأول من حيث تاريخ الإنشاء ويمثل تحفة في فن العمارة الكلاسيكية. وبالإضافة إلى مجموعة التحف الكلاسيكية واللوحات التي يضمها، هناك طابق مخصص للفن اليوناني، كما تقام فيه الكثير من المعارض المتنوعة، وكان المتحف المصري يحتل الطابق العلوي منه وترافق مع معرض دائم تمحور حول التمثال النصفي لـ (نفرتيتي) الذي جرى نقله إلى (المتحف الجديد) الذي يمثل بدوره الناحية الجمالية لجزيرة المتاحف، فقد تم إعادة بنائه وإدخال الفن المعماري الحديث عليه، ليتحول بذلك إلى نقطة تجتذب أعداداً كبيرة من الزوار.
ويعرض (المتحف الوطني القديم) رسومات أوروبية وألمانية من القرن التاسع عشر، إضافة إلى منحوتات رائعة، تجعلك تشعر وكأنك في معبد قديم. وفيه يمكنك أيضاً مشاهدة أعمال الفنانيين الفرنسيين الانطباعيين مثل: (مانيه)، (مونيه)، (رينوار)، بالإضافة إلى لوحات الفنان الرومانسي (كاسبر دافيد فريدريش) والرسام المهندس (كارل فريدريش شينكل). وبالانتقال إلى الجهة الشمالية من الجزيرة تكون قد وصلت إلى متحف (بوده) الذي يزخر بالكثير من كنوز الفن العائدة إلى مختلف العصور، إلا أن المعروضات الأكثر شهرة فيه تتمثل في مجموعة القطع النقدية التي تعتبر واحدة من أثمن نظيراتها في العالم.
أما متحف (برغامون) فيحظى بأعلى نسبة إقبال من الزائرين، وهو من الأماكن المذهلة بما يضمه من قطع أثرية قديمة جداً تنتمي إلى مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، كما يشكل (مذبح برغامون) المشهور نقطة جذب للسياح من كافة دول العالم.
ويؤكد الضيوف الذين يزرون العاصمة الألمانية بانتظام أنه لا يوجد فيها وقت للملل، فهناك 1500 فعالية تحدث على مدار العام وتجري أحداثها في المتاحف ذات الشهرة العالمية والمعارض الفنية الرائدة والمسارح التي تقدم العروض الموسيقية المهمة. ويمكن الوصول إلى أماكن الفعاليات بكل سهولة ويسر وبتكاليف قليلة، نظراً لتوفر شبكة مواصلات عامة واسعة. كما يمكن للمرء الاستفادة من البطاقات الخاصة والتذاكر في الحصول على تخفيضات وخصومات مغرية عند زيارة المعالم السياحية والمتاحف والمنتزهات.