الساحة الفنية و الأدبية في ألمانيا تمتاز بتنوع مصادرها الثقافية، فعند الحديث عن الحركة الثقافية المعاصرة فيها لم يعد من الممكن تحديد تيار فني أو فكري بعينه على أنه التيار السائد أو الممثل للقطاع الأكبر من المبدعين في ألمانيا، حيث نجد أدباء ألمان مرموقين ذوي خلفيات ثقافية متنوعة، مثل رفيق شامي، من أصل سوري وهيرتا مولر من أصول رومانية وجيم أغلو من تركيا وغيرهم الكثير.
تعتبر ألمانيا بلد الكتاب وتنتمي إلى أكبر الأمم في إنتاج وإصدار الكتب، وتصدر ما يقرب من مئة كتاب جديد سنوياً. والدافع وراء إصدار هذا الكم الكبير من المطبوعات يعود إلى رغبة الألمان الكبيرة والإقبال الشديد على القراءة، والتي لم تتأثر أو تتراجع مع تطور عالم الإنترنت. وأكبر دليل على ذلك هو الإقبال الشديد على معارض الكتب ومهرجانات الأدب، مثل معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يقام في شهر أكتوبر من كل عام ويعتبر أهم تجمع في العالم لدور النشر. وإلى جانب ذلك تمكن معرض لايبزيغ للكتاب الذي يقام كل ربيع من تثبيت أقدامه كمهرجان للقراءة بالنسبة للجمهور. ومنذ عودة الوحدة الألمانية فرضت برلين نفسها كمركز أدبي عالمي ومركز مهم لدور النشر (مثل دار شوركامب، ودار آوفباو)، يحتضن أدب المدينة الكبيرة المثير، وذلك بطريقة لم تشهدها ألمانيا منذ نهاية فترة جمهورية فايمار.
الإقبال الكبير للجمهور يشهده أيضا مهرجان أدب كولونيا “ليت كولون”، ومهرجان الشعر في إرلانغن، إضافة إلى العديد من المهرجانات الثقافية. في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين يسيطر كتاب ناجحون عالمياً على لائحة الكتب الأكثر مبيعاً. ومن هؤلاء جوانة ك. رولينغ، كين فوليت، وكاتبة أدب الأطفال الألمانية كورنيليا فونكة. وإلى جانب قصة دانييل كيلمان “قياس العالم” التي حققت أعلى المبيعات (2006) تبرز رواية شارلوتة روش “المناطق الحساسة” (2008) التي أثارت جدلاً حول الحياة الجنسية الأنثوية والدور النموذجي، وأكدت بشكل قطعي كيف أن الأدب يمكنه دوما تناول موضوعات اجتماعية وإثارتها وإظهارها، حتى وإن كانت هذه الموضوعات ذات طبيعة خاصة وليست ذات طبيعة عامة سياسية.
وفي ألمانيا يشارك المواطنون من ذوي الأصول العربية الذين يتجاوز إجمالي تعدادهم ثلاث مئة ألف مواطن بشكل فاعل في قطاعات الحياة المختلفة ومنها الحياة الثقافية والأدبية. فقد شق عدد من الأدباء الألمان من أبناء المهاجرين من البلدان العربية طريقهم في الكتابة أبرزهم شيركو فتاح ورائد صباح وأنيس حمادة و عبد اللطيف اليوسفي، إضافة إلى الكتّاب الذين جاؤوا من بلاد عربية ودرسوا هنا وتعلموا الأدب وحفروا اسمهم في عالم الثقافة والأدب الألمانية. وتختلف علاقة الجيل الأول والثاني بألمانيا وببلدان الشرق الوسط وينعكس هذا في كتاباتهم، فبينما كافح أبناء الجيل الأول من المهاجرين العرب لسنوات حتى يصبحوا جزءاً من ألمانيا وحتى ينالوا الاعتراف بهم كمواطنين ألمان، نجد أن علاقة الجيل الثاني بألمانيا علاقة انتماء لوطن أم وأقارب وأسرة فيه، وتتفاوت علاقة الجيل الثاني بأوطان آبائهم الأولى.
وبذا يمنح هذا المزيج الثقافي الأدب الألماني ميزة خاصة، فهو لا يستقي من ثقافة واحدة، بل يمزج بين ثقافات مختلفة تمتد عبر الأوطان. حتى أن بعض الأدباء الألمان رآى في الثقافات الأخرى مصدر إلهام لكتاباته. من جانب آخر تزخر ألمانيا بكبار الأدباء الذين استطاعوا الوصل إلى العالمية مثل غوتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للأدب. أو مارين فالسر وهانس ماغنوس إرنستبيرغر وزيغفريد لينتس وهم مازالوا يكتبون حتى الآن.
ومع انطلاق جائزة الكتاب الألماني لأول مرة في العام 2005، وهي تمُنح لأفضل رواية في السنة، وتعادل جائزة بوكر الإنكليزية أو جائزة غونكورت الفرنسية، تحققت خطوة ناجحة مهمة تجلت في تنبيه الجمهور وتعريفه بالأدب الراقي. ويحظى الفائزون بجائزة الكتاب الألماني إلى جانب المكافأة المالية بالكثير من الاهتمام الإعلامي علاوة على ضمان عدد كبير من النسخ. مثل قصة يوليا فرانك ذات الموضوع العائلي “سيدة منتصف النهار” (2007). ملحمة أوفة تيلكامب التي تقع في حوالي ألف صفحة حول انهيار ألمانيا الديمقراطية “البرج” (2008)، وكذلك القصة الذاتية لكاترين شميت “أنت لا تموت” (2009) احتلتا لعدة شهور موقعيهما على لائحة أفضل المبيعات.