للحياة الثقافية في ألمانيا أوجه عديدة، فشعب هذا البلد يميل إلى حب الفنون على أنواعها، سواء فن الرسم أو السينما أو الغناء أو المسرح على أشكاله. وتزخر ألمانيا بمسارحها المتنوعة بأحجامها المختلفة وفنونها الغنية، سواء المسرح الكوميدي أو المسرح السياسي أو الاجتماعي. وللألمان باع طويل في فن المسرح يعود لقرون عدة سلفت، ابتداءً من العهد الباروكي مروراً بالعصور الوسطى وصولاً إلى عصرنا الحديث.
نظراً إلى تقسيم ألمانيا في السابق إلى إمارات صغيرة، انتشرت المسارح المختلفة في مدن هذه الإمارات. فكان لكل مدينة مسرحها الخاص ولكل إمارة مسرحها الخاص على حد سواء. لذا نجد في ألمانيا مسارح صغيرة الحجم، كما نجد المسارح الضخمة ودور الأوبرا الكبيرة. وما يميز ألمانيا عن دول العالم هو انتشار دور الأوبرا في مدنها، على عكس معظم الدول التي تملك دار أوبرا واحدة لا غير.
ويعود الفن المسرحي في هذا البلد الأوروبي إلى القرون الوسطى، عندما بدأت الفرق المسرحية عروضها كفرق متنقلة بين المدن. وكانت تعرض أعمالها للمارة في الشارع لتسليتهم، حيث لم يكن هناك مسارح ثابتة لهم. وكانت نظرة المجتمع لهم آنذاك دونية وكانوا يعيشون بفقر لاذع. ومع مرور الوقت بدأ الأغنياء والنبلاء يُعجبون بهذا الفن وأخذوا يستضيفون عروضاً مسرحية داخل قصورهم. ليتم بعد ذلك بناء المسارح لهذه الفرق، والتي ما زالت في هذه القصور تعمل حتى يومنا هذا مثل مسرح إكهوف في قصر قوطه وهو أكبر قصر في ألمانيا.
ومن أهم أعلام المسرح الألماني، الشاعر والأديب العالمي “غوته” و”شيلر” في العصر القديم و”بيرتولت بريشت” في العصر الحديث الذين تركوا بصمة عميقة في العمل المسرحي. ومن أهم مسرحيات “غوته”، مسرحية “فاوست” التي حولت أنظار الشعب الألماني إلى الفن المسرحي وأيقظت اهتمامهم به. واشتهر “بريشت” بمسرحياته الهجائية ومن بينها “أوبرا البنسات الثلاث”.
يحترم الشعب الألماني الفن الرابع ويعشق المسرح. فهو ليس مكاناً للتسلية فحسب، بل يُعتبر المسرح جزءاً من الثقافة الألمانية، فتراهم يذهبون إلى المسارح في أبهى حلتهم ويتابعون باهتمام أحداث العروض المسرحية. ولا يقتصر هذا الاهتمام على البالغين فحسب، بل للأطفال واليافعين نصيب كبير في هذا المجال. ولا يعرض مسرح الأطفال قصص الأطفال فحسب، بل تتم إعادة صياغة المسرحيات العالمية لتقريبها من الجيل الناشئ وتعريفه عليها وعلى الأدب العالمي.
ومع كل هذا لم يكن المسرح الألماني دائماً في أوج تألقه، بل شهد انتكاسة خلال فترة الحكم النازي بسبب هجرة الكثير من الممثلين والكتاب المسرحيين، لا سيما الكاتب المسرحي “بريشت”. وجاء المسرح بعد الحرب العالمية الثانية ليعكس خيبة أمل المجتمع وسخطه على ماضيه، لا سيما في مسرحية “جنرال الشيطان” للكاتب المسرحي ” كارل تسوكماير” الذي عبر فيها عن غضبه وسخطه على النظام المخلوع آنذاك.
ومن أشهر المسارح في ألمانيا هو مسرح “تاليا” في هامبورغ و”برلينر أنسامبل” في برلين و”كامر شبيله” في ميونيخ. كما تُعتبر دار الاوبرا في ولاية بافاريا من أكبر المسارح الألمانية ومسرح “تيدر” في ولاية راينلاند بفالس أصغرها.
المسارح في ألمانيا خاصة وحكومية وتتميز ألمانيا بوجود أنسامبل مسرحي، أي ممثلين ثابتين يعملون لمسرح معين يقومون بجميع الأعمال المسرحية التي تُعرض في هذا المعرض، وليس كما هو الحال في دول أخرى، حيث يقوم الممثل بدوره في المسرحية فقط وبعدها يبحث عن عمل في مسرح آخر.
ومن أشهر المسرحيات الألمانية على سبيل المثال لا الحصر: “دائرة الطباشير القوقازية” ومسرحية “في أحراش المدن” للكاتب المسرحي “بريشت” ومسرحية “عذراء أورليان” و”اللصوص” للكاتب “شيلر” ومسرحية “فاوست” للأديب “غوته”.