لم يكن محمد رمضان، السوري ذو الثلاثين عاما، يظن أنه سيبقى عالقا مدة طويلة في أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم.
عندما فر رمضان من محافظة درعا جنوبي سورية مع زوجته وأولاده، أعد أمتعة تكفي لمدة 15 يوما.
حدث ذلك منذ ثلاث سنوات، والآن، صار عمر ولديه خمس وثلاث سنوات، فيما ولدت ابنته التي بلغت من العمر عاما وسبعة أشهر في مخيم الزعتري للاجئين شمالي الأردن، الذي يشهد ولادة نحو ثمانين طفلا كل أسبوع.
ويقول رمضان “لا أفعل شيئا. ليس لدي عمل، فقط نجلس هنا مع الأطفال”.
في منزله الصغير الذي يشبه صندوق الحاوية، فراش وبعض الأدراج البلاستيكية، وجهاز تهوية، ومدفأة وتلفاز صغير.
وعندما تأتي الكهرباء، بنظام الحصص، نحو الرابعة عصرا، يشاهد الأطفال البرامج التليفزيونية حتى موعد ذهابهم إلى الفراش في التاسعة مساء.
ورمضان هو واحد من نحو 5ر1 مليون سوري في الأردن، من بينهم 640 ألفا مسجلون لدى وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وفي ظل نظام التناوب، يعمل رمضان مرة واحدة فقط لمدة أسبوع، كل ثلاثة أشهر، ينظف أو يطلي أو يثبت بلاط الأرضيات، أو يقوم بأي عمل يتاح له في المدن الأردنية القريبة.
وتضخم مخيم الزعتري، الذي افتتح في عام 2012، ليصبح مدينة من المساكن المؤقتة يقطنها 80 ألف شخص وتمتد في الصحراء على مرمى البصر.
ويضم المخيم تسع مدارس ابتدائية، ولكن مع غياب التعليم العالي، وندرة فرص العمل، يبدو المستقبل مجهولا.
وبينما يعيش 40 ألف لاجئ في مخيم الأزرق، الأحدث إنشاء، جنوبا، فإن غالبية السوريين يعيشون في المدن والبلدات الأردنية.
ويقول خالد شورمان، من مركز مسار، وهو منظمة غير حكومية أردنية تقيم مشاريع للاجئين السوريين في الزعتري وغيره، إن “الخوف الأكبر” في الأردن هو تكرار مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن عمرها أكثر من 60 سنة، ولا تزال مجرد مخيمات. والحكومة لا تسمح بالبناء بالطوب في مخيمات السوريين وسط مخاوف من تحولها إلى مستوطنات دائمة.
ويقول شورمان “رحب الأردنيون كثيرا في البداية ب(اللاجئين السوريين)”. ورأوا أن من واجبهم مساعدة أشقائهم العرب. وفي المناطق الحدودية بصفة خاصة، يرتبط الأردنيون والسوريون، وكثير منهم أبناء نفس القبائل، بعلاقات تجارية واجتماعية وثيقة.
ولكن هذا الترحيب لم يستمر طويلا، فسرعان من بدأ التوتر في التزايد.
ويتابع شورمان “الأردنيون يشعرون أنهم (السوريين) يختطفون بلادهم، حيث تسود المنافسة في كل المجالات”.
ويتساءل “إذا كانت ألمانيا تكافح(لمواجهة ازمة اللاجئين)، فما بالنا نحن؟”، في إشارة إلى تدفق نحو 1ر1 مليون مهاجر على ألمانيا العام الماضي، وأزمة اللاجئين التي تشهدها أوروبا.
أما البرلماني الأردني، عدنان السواعير، فيقول: “نحن لسنا ضد وجود اللاجئين السوريين في بلدنا. السوريون جيراننا وأشقاؤنا، ولكن لدينا مشاكلنا الخاصة التي يتعين علينا ان نتعامل معها”.
وفي العاصمة عمان يروي السواعير لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أن “الزيادة التي تمثل 20 في المائة من سكان الأردن، هي في الحقيقة تهديد كبير للاستقرار والأمن في الأردن”.
وتبلغ نسبة البطالة في المملكة الاردنية ما لا يقل عن 13 في المائة وترتفع النسبة قرب الحدود مع سورية.
يشعر بعض الأردنيين بالغضب عندما يجدون انفسهم ينتظرون في طابور أمام المتاجر الكبيرة يحمل كل منهم سلة صغيرة بها بعض أكياس الأرز والخبز، بينما يدفع اللاجئ السوري ومعه البطاقة الذكية الممنوحة له من برنامج الأغذية العالمي، عربة تسوق كبيرة مليئة باللحوم والدجاج، وفق ما يقوله شورمان.
يمكن لكل سوري في الأردن تسجيل اسمه لدى مفوضية اللاجئين ليحصل على رصيد قدره 20 دينارا (أقل من 30 دولارا أمريكيا) في بطاقته الذكية كل شهر. وتحصل الأسرة المكونة من خمسة أفراد على 100 دينار شهريا. وهذا يكفي لشراء الطعام، لكن ليس الملابس أو غيرها من المستلزمات الاخرى. ولكن هذا الوضع يثير ضجر بعض الأردنيين، الذين يعيشون بلا عمل.
ويقول النائب الوسطي من مدينة الرمثا، الواقعة على مسافة 30 كيلومترا من الزعتري، فواز الزعبي “عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، استضفناهم، ولكن لم نكن نتوقع أن يبقى منهم هذا العدد الهائل”.
وتضاعف عدد سكان المدينة الحدودية تقريبا، من 80 ألفا قبل أربع سنوات إلى أكثر من 150 ألفا، ما يعني أن نصف السكان سوريون.
وارتفعت أسعار المساكن. واكتظت الفصول الدراسية. وقفزت فترات الانتظار للحصول على الخدمات الصحية من متوسط 15 دقيقة لتصل إلى ساعتين.
ثم، كما هو الحال في أوروبا، تسود هناك حالة من الخوف من تسلل المتطرفين عبر الحدود مع العائلات الفارة من الحرب.
ويتابع الزعبي حديثه قائلا إن العالم يجب أن يقدم المزيد من المساعدات المالية المباشرة للأردن، ليس فقط إلى المخيمات، وإلا فإن التطرف والإرهاب “سينتشران، ليس هنا فقط، بل في جميع الأنحاء”.
وعلى مدار العامين الماضيين كان رمضان يخطط للعودة إلى الوطن في سورية.
لكن بعض سكان المخيم الذين غامروا بالعودة، أو حاولوا المرور الخطير عبر سورية من الجنوب إلى الشمال صوب الحدود التركية – أملا في الوصول إلى أوروبا – “أرسلوا قصصا تحذر الاخرين من محاولة تكرار التجربة”.
وعن الحياة في المخيم، يقول رمضان: “إنها ليست سهلة. لكن الوضع في سورية ليس سهلا هو الآخر، لذلك نحن في الانتظار”.
بقلم: عوفيرا كوبمانز – المصدر: د ب أ