يقال إن أعظم صورة يحتفظ بها الناس في مختلف أنحاء العالم حول ” ألمانيا القديمة الرائعة “، هي قلعة نويشفانشتاين، الكائنة في أحضان جبال الألب المكسوة بالجليد والغابات بولاية بافاريا الألمانية.
ويتدفق المسافرون من جميع دول العالم على بلدة فويسن المجاورة لمشاهدة القلعة بأعينهم وتصوير معالمها الساحرة بهواتفهم الذكية.
وتمضي زيارات القلعة بشكل نمطي، ففي الساعة الثامنة والنصف صباحا في أحد الأيام الأخيرة كان فناء القلعة يغص بالسياح، بينما سارت أعداد كثيرة أخرى صاعدة على الطريق المؤدي من البلدة إلى القلعة، وأعينهم معلقة في اندهاش على الصرح المهيب، والذي شيده ” الملك المجنون ” لبافاريا لودفيج الثاني (1886-1845) لنفسه، وكان الملك الذي عرف عنه تحاشيه للناس يريد أن يقيم في عزلة بالقلعة بعيدا عن العاصمة البافارية ميونيخ التي تبعد بمسافة 100 كيلومتر.
وقد لا يعرف كثير من الناس هذه القصة، ولكن يراودهم شعور بأنهم رأوا القلعة من قبل في مكان ما، وعلى سبيل المثال تقول فارين تيت السائحة من لوس أنجليس – بينما يشتري العديد من المجموعات الأمريكية تذاكر دخول القلعة – ” إنني أزور المكان لأنني من أشد المعجبين بديزني “، في إشارة إلى والت ديزني فنان الرسوم المتحركة ، ومبتكر ملاهي ديزني لاند، وتضيف ” لقد علمت بأمر القلعة من نموذجها الكائن في ديزني لاند، وأنا أريد الآن أن أرى القلعة الأصلية “.
بينما تقول المشرفة على القلعة كاثرينا شميت إن كثيرا من الأمريكيين لديهم مشكلة في عدم القدرة على التمييز بين الأصل والنموذج، ” وهم يأتون إلى هنا ويقولون إن هذه القلعة هي نموذج من النسخة الموجودة في ديزني، وحينئذ نقول لهم إن العكس صحيح وهو أن والت ديزني جاء إلى هنا واستخدم القلعة كنموذج “.
وإذا تحدثنا من الناحية العددية فيمكن القول بأن أكبر مجموعة من الأجانب قامت بزيارة القلعة الخرافية هم الصينيون ، بينما جاء اليابانيون في المرتبة الثانية، وأحد الزوار الصينيين هو جيانجشوان وهو من بلدة بالقرب من شنغهاي ويبلغ من العمر 16 عاما، ويقول ” إن هذا الصرح شهير على مستوى العالم، واعتقد أن معظم الصينيين يعلمون بشأنه، وهو يعني بالنسبة لنا رمزا لأوروبا “.
وإذا كانت القلعة من الخارج مهيبة فهناك مشاعر مختلطة عندما يصل الزوار في النهاية لرؤية المعالم الداخلية فيها، وفي الحقيقة لا توجد غرف كثيرة لرؤيتها حيث أن الملك لودفيج لم يستكمل بناؤها في الواقع، والسبب في ذلك أن حكومة بافاريا بعد أن أزعجتها التكاليف المدمرة لمشروعات الملك في بناء القلاع حيث شيد عدة قلاع أخرى إلى جانب نويشفانشتاين، قررت رسميا إعلان جنون الملك قبل أن يتمكن من إنفاق مزيد من الأموال على مشروعاته.
غير أنه تبين أن عدم إكمال بقية غرف القلعة كان له آثاره الإيجابية أيضا، فقلة عدد حجرات القلعة ساعدت على قيام المجموعات السياحية بجولة في أرجائها خلال نصف ساعة فقط، وهذا عامل مهم في ظل الزحام الهائل من الزوار خارجها والذين ينتظرون السماح لهم بالدخول، كما أن هذه الغرف المحدودة في غاية الروعة .
ويشعر الأمريكيون بإعجاب بالغ بمعالمها إلى حد التحدث همسا وتحاشي إمارات الإعجاب العالية، كما أنهم لا ينتهكون التعليمات بحظر التصوير، بينما يكتفون بالتعبير عن اعجابهم بكلمة ” واو ” بين حين وآخر، ولكنهم عندما دخلوا إلى غرف نوم الملك لم تستطع سيدة أن تمنع نفسها من الصياح ” انظروا هنا، إن هذه يمكن أن أطلق عليها وصف حجرة أميرة “، وتتنهد سيدة أخرى في الفوج وتقول بحسرة ” من ذا الذي لا يريد أن يعيش هنا “.
وجاء المرشد السياحي جليس شافيت 54/عاما/ من باريس، وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن القلعة تنتمي إلى حد ما إلى الطراز الشعبي وليس الراقي، رد قائلا بحماس ” كلا، إنها مذهلة وباذخة ومفرطة في الجمال، وليس لدينا شيء مثل ذلك في فرنسا، فكل شيء في فرنسا مفرط في الكلاسيكية، بينما هذه القلعة تعد ضربا من الخيال الجامح “.
ومن المفارقات أن الألمان هم الوحيدون الذين لا يشعرون بالإنشراح تجاهها، فتقول إندرا جرونكه 45/ عاما/ التي جاءت من بلدة بالقرب من مدينة بريمن شمالي ألمانيا” إنك تأتي إلى هنا لمجرد القول بأنك رأيت القلعة “، وجاءت إندرا مع زوجها وابنتين 13/و11عاما/، وتمثل القلعة للأجانب والألمان معلما عالميا مثل مبنى إمباير ستيت في نيويورك أو تاج محل في الهند.
وتعود السيدة شميت المشرفة على القلعة إلى مكتبها، وتقول إن مكتبها ” هو أجمل مكان عمل في ألمانيا” ، مضيفة أن ” مفتاح فهم الإفتنان العالمي بالقلعة مرتبط بالحكايات الخرافية ، فكل طفل يكبر وفي ذهنه صورة معينة لقلعة ملكية، وهذه القلعة التي في الأذهان توجد على أرض الواقع هنا “.
من : كريستوف دريسن (المصدر: د ب أ)